يَنتَشِلُنَا الحُزْن مِن عالَمِنَا
حتَّى أنَّنَا لا نرَى مَن هُم حَوْلَنا مِن البَشَر
.. و لا نَجِد لَنا مَلاذاً يقِينا الضَّيَاعَ و الشَّتَات ..
سِوَى حَرْفٍ يَسطِرُه نَبْضُ صَادِق
نُحَاوِل بِه البَوْحَ
.. و نَظُنُّ أنَّه يُخَفِف عَنَّا مَا نَحمِلُه مِن حِرْمَان ..
لعَلَّنَا نَرْجُو مِنه مُوَاسَاتنَا
أوْ بَصِيصَ نقَاءٍ
.. كُنْتُ أسْكُن نُورَ عَينَيْكِ ..
كَلُؤلُؤَةٍ كَادَ أنْ يَلْتَهَمهَا عُمْقُ البَحْرِ
و وَهبَتْهَا الأَمَانَ
.. أحْضَانُ المَحارَة ..
عَاشَت فِي كنَفِهَا
لا ظَلامَ يُخِيفُهَا
و لا يَسرِقُ بَسمَاتِها الزَّمَان
.. هكَذَا كُنْتُ ..
أحْتَمِي مِن هجِير الشَّمس بِظِلِّكِ
أَرْوِي ظَمأَ شِفَاهِي بِحرُوفِ اسْمِكِ
أقْتَبِسُ النُّورَ مِنكِ
أَسْتَنْشِقُ أرِيجَكِ
لِأُعَطِّرُ أنفَاسِي بِيَاسَمِينِكِ و فُلِّكِ
.. لَكِنِّي نَسِيتُ أنَّ أموَاجَ البَحْرِ غدَّارَةٌ ..
نَسِيتُ أنَّ شَجَر المَرَضِ
لا يُقْتلَعُ جَذْرُهُ
.. و لا يُؤْتِي ثِمَارَهُ ..
.. آآآهٍ مِن مَرَضٍ يُحَطِّمُ خُبْثُهُ نوَافِذَ جسَدِكِ ..
و يَكْسِرُ إعْصَارُ تفَشِّيهِ أَبْوَابَ دَارِه
لِيتَمَرَّغَ فِي أرْضِهِ الطَّاهِرَة
.. و يَسْلُبَهُ قُوَّتَهُ ..
و هَنَاءَهُ
.. و الرُّوحَ المُحَلِّقَةَ فِي أرْكَانِ أسْرَارِهِ ..
.. كَمْ تمَنَّيْتُ أنِّي أسْتَطِيعُ مَنْحَكِ عُمْرِي ..
لِتَعِيِشِي بِهِ عُمْراً جدِيداً
تَحْتَضِنُكِ لَيَالِيهِ
.. و تُدَاعِبُ وجْنَتَيْكِ خُيُوطُ الذَّهَبِ فِي شَمْسِ نَهَارِه ..
.. كَم تمَنَّيْتُ أنْ أنَقِّبَ منَاجِمَ صَمْتِكِ ..
لِأسْتَخْرِجَ رغْماً عَنْكِ
أنِينَكِ
و آهَاتِكِ
.. و مَا خُبِّيءَ فِيهَا مِن أحْزَان ..
.. كُنتِ تُخفِينَهَا عَنِّي ..
و أنَا أقْرَؤُهَا بِتمَعُّنٍ
فِي شفَافِيَّةِ نظَرَاتِكِ
و انْحِسَارِ المعَانِي مِن كلِمَاتِكِ و عِبَاراتِكِ
و رَجْفَةِ المسَامَاتِ التِّي تتَخَبَّطُ مِنهَا لمَسَاتُكِ
.. أَقْرَؤُهَا ..
و يُمَزِّقُنِي فِيهَا كُلُّ حَرْفٍ
أُجْبِرْتُ علَى كِتْمَانِ تَفْسِيرِه
.. و بِتُّ أرْقُبُكِ مُكَبَّلَةَ الأطْرَافِ ..
أُحَاوِلُ مَنحَكِ زفَرَاتِي
علَّهَا تُعِيدُ البَأْسَ و العَزِيمَةَ لِأنْفَاسِكِ
لكِنَّكِ أبَيْتِ
و كَأَنَّ نَبْعَ عطَائِكِ يَرْفُض الرُّضُوخَ لِضَعْفِ قِوَاكِ
و يُصِرُّ حتَّى فِي آخِرِ لحَظَاتِكِ
.. عَلَى أنْ لا يَجِفَّ مِنْهُ مَاءُ تَضحِيَتِهِ و إِيثَارِه ..
و بقِيتُ قُربَكِ
مِنْ أوَّلِ محَطَّةٍ مِن محَطَّاتِ دَمْعَاتِكِ
و حتَّى آخِر محَطَّةٍ مِن محطَّاتِ سكَرَاتِكِ
أُحَاوِلِ تَطوِيقَ رُوحِكِ كَيْ لا تَفِرَّ
أُحَاوِل التَّشبُّثَ بِهَا فِي الوَقْتِ الضَّائِعِ
بِتَوَسُّلاتِي و دَعَوَاتِي
و ترَاتِيلِي
لِأُنقِذَكِ مِن رَحِيلٍ لا تعُودِينَ مِنْهُ
.. و خطَفَكِ قِطَارُ المَوْتِ علَى غَفلَةٍ مِنِّي ..
فِي لَيْلَةٍ خُسِف فِيهَا البَدْرُ
و بكَت النُّجُومُ
و تَاهَ فِيهَا كُلُّ كَوْكَبٍ عَن مدَارِهِ
لِيسِيرَ بِكِ فِي طَرِيقٍ
يَكُونُ لكِ بِدَايَةً جدِيدَةً
و يُمَهِّدُ الطَّرِيقَ لِي
لِهَاوِيَةِ نهَايَاتِي
.. طَرِيقٍ تُداعِبُنِي فِيه نسَائِمُ ذِكرَاكِ ..
أرَى علَى حَافَّتِهِ كُلَّ أشْيَاءِكِ
فنْجَانَ قَهْوَتِكِ
هَاتِفَكِ المَحْمُول
عِطْرَكِ المُفَضَّل
مشْطَكِ
سجَّادَة صَلاتِكِ
مُصحَفَكِ
و صُوَرِكِ مُنذُ أنْ كُنْتِ طِفْلَةً صغِيرَة
كُلُّهَا
.. أرَى فِيهَا وَجْهَكِ البَاسِم ..
المُتَألِّمَ
.. بِأدَقِّ تعَابِيرِهِ ..
كُلُّ الذِّكرَيَاتِ تُشعِلُنِي نِيرَاناً مِن الحنِين
تَزِيدُهَا أَدْمُعِي لَهِيباً و أنِيناً لا يَسْتكِين
.. لا عزَاءِ فِيكِ يُنسِينِي ..
.. و لا رَثَاءَ يُعَوِّضُنِي مَا فقَدْتُهُ مِن أمَان ..
.. رَحِمَكِ اللهُ يَا صَوْتَ الدِّفْءِ ..
.. رَحِمَكِ اللهُ يَا طَاهِرَةَ الأَنْفَاسِ ..
.. رَحِمَكِ اللهُ يَا أنْقَى نَبْض ..
.. رَحِمَكِ اللهُ يَا أَصْدَقَ إحْسَاس ..
رَحِمَكِ الله يَا أُمِّي
رَحِمَكِ رَبٌّ وهَبَنِي إيَّاكِ
.. و اخْتَارَ لكِ الآنَ أن تَسْكُنِي بجِوَارِه ..